فصل: بصيرة في ذكر موسى عليه السلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.بصيرة في ذكر موسى عليه السلام:

موسى اسمٌ مُعَرَّبٌ أَصله مُوشا، ومُو بالعِبْرِيَّة الماء، وشا الشَّجَر، سمّى به لأَنَّه وجد في الماء والشجر الذي كان حول قصر فرعون في عين الشمس، وهى موضع معروفٌ بمصر لا يَنْبُت شجر البَلَسان إِلاَّ فيه.
قيل: سُئِل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ما بَال الله أَكْثَرَ ذِكْرَ موسى في القرآن؟ فقال: لأَنَّ الله يُحِبُّه، ومنْ أَحبَّ شَيْئًا أَكثر ذِكْرَه.
قال كعبٌ: سَمِع موسى كلام الله يوم الطُّور غير ما سمِعه قبل ذلك، فقال موسى: يا ربّ وكيف هذا؟ قال الله تعالى: إنما كلَّمتك على قَدْر طاقَتِك، ولو كلَّمتك أَشدَّ من هذا لَذُبْتَ.
وقد دعاه الله تعالى في القرآن بخمسين اسْما تصريحًا وتعريضًا، هادِى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، دَاعِى: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}، نَاجِى: {وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ}، ساقى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى}، نَاسِى: {لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ}، صادقٌ: {وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ}، صاعِقٌ: {وَخَرَّ موسَى صَعِقًا}، مُصْطَفَى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ}، شاكِرٌ: {وَكُنْ مِّنَ الشَّاكِرِينَ}، صَابِرٌ: {إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا}، آمِرٌ: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا}، غَضْبانُ وأَسِفٌ: {إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا}، مَذْكُور: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى}، مُخْلَص: {إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصًا}، رَسُولٌ ونَبِىٌّ: {وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا}، مُنادى: {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ}، مُقَرَّبٌ ونَجِىٌّ: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}، مُختارٌ: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ}، مُسْتمِع: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى}، مُسَبِّح: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا} مَحْبُوبٌ: {عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي}، مُصْطَنَع الحقّ: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}، قُرَّةُ عين: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ}، {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها}، أَعْلَى: {لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى}، كَبِيرٌ: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ}، مُسْتَعْجل: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}، رَسُولٌ كريمٌ: {وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ}، مُرْسَلٌ: {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}، ولِيدٌ: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا}، لابِثٌ: {فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ}، مُبَرَّأٌ: {فَبرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُواْ}، مُبارَكٌ: {أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ}، وَجِيهٌ: {وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا}، بالِغٌ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ}، ظَهيرٌ: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ}، خائفٌ: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا}، فَقِيرٌ: {إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}، قَوِىٌّ وأَمينٌ: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}، أَجير: {عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ}، قاضى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ}، مُقْبِل: {أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ}، آمِنٌ: {إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ}، مَنْصُورٌ: {وَنَصَرْنَاهُمْ}، غالِبٌ: {فَكَانُواْ هُمُ الْغَالِبِينَ}، مَهْدِىٌّ: {وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، مُحْسِنٌ: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}، مُؤْمِنٌ: {إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}، رَجُلٌ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا}.
وذكره الله تعالى في القرآن باسْمه في مائة وثلاثين موضعًا، منها: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى}، {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ}، {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُّوسَى}، {وَقَالَ مُوسَى يافِرْعَوْنُ}، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ}، {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}، {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ}، {يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ}، {يامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}، {يامُوسَى اجْعَلْ لَّنَا الهًا}، {وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي}، {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا}، {وَخَرَّ موسَى صَعِقًا}، {يامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ}، {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى} إِلى قوله: {جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ}، {رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ}، {وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ}، {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ}، {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ}، {قَالَ لَهُمْ مُّوسَى أَلْقُواْ}، {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ}، {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ} إِلى قوله: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ}، {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ}، {آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ}، {إِنِّي لأَظُنُّكَ يامُوسَى مَسْحُورًا}، {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ}، {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ}، {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى}، {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}، {نُودِيَ يامُوسَى}، {أَلْقِهَا يامُوسَى}، {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يامُوسَى}، {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يامُوسَى}، {جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يامُوسَى}، {فَمَن رَّبُّكُمَا يامُوسَى}، {قَالَ لَهُمْ مُّوسَى}، {يامُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ}، {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى}، {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى}، {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي}، {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يامُوسَى}، {هَاذَا الهكُمْ وَاله مُوسَى}، {وَأَنجَيْنَا مُوسَى}، {نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى}، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى}، {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى}، {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}، {قَالَ لَهُ مُوسَى}، {قَالَ يامُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ}، {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ}، {يامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ}، {يامُوسَى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ}، {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}، {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ}، {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ}، {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}، {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً}، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}، {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}، {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى}.
قيل لمّا سأَل موسى الرّؤية أَتاه من كلّ سماءٍ سبعون أَلف مَلَكٍ، وبيد كلّ واحد شعلة نار، ويقولون يا ابن النِّساء الُحيَّضِ، أَتطمع في رؤية ربِّ العزَّة؟! وقال السُّدّىُّ لمّا قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} أَحفّ الله الطور نيرانًا، وأَحفَّ النيران ملائكةً، وأَحفَّ الملائكة بالبرْق، والبرْقَ بالظُّلْمة، والظُّلمة بالزَّلْزلَة، ونُودِى لَنْ تَرانِى.
وقال وهبٌ وابن إِسحاق: لمّا سأَل موسى الرّؤية أَرسل الله تعالى الضَّباب والصّواعق والظُّلمة والرَّعْد والبَرْقَ وأَحاطَتْ بالجبل الذي عليه موسى أَربعة فراسخ من كلّ جانبٍ، وأَمر الله تعالَى ملائكة السَّماوات أَن يُعْرَضوا عليه، فمرّت به ملائكة السّماء الدّنيا كثيران البقر تتابع أَفواههم التسبيح والتَّقديس بأَصوات عظيمة كصوت الرّعد الشديد، ثم أَمر الله تعالى ملائكة السّماء الثانية أَن اهبطوا على مُوسى فاعترضوا عليه، فهَبطُوا عليه أَمْثال الأُسُودِ لهم لَجَبٌ بالتَّسبيح والتَّقديس، ففَزِع العبْدُ الضَّعِيفُ ممّا رأَى وسمِع، واقشعرّت كلّ شعرة في رأْسِه وجسده، ثم قال: لقد نَدِمْت على مسْألتِى، فهل يُنْجِيِنى من مكانى الذي أَنا فيه شئ؟ فقال له خير الملائكة ورئيسهم: يا موسى اصْبِرْ لما سأَلت، فقليلٌ من كثير ما رأَيت.
ثمّ أَمر الله تعالى ملائكة السّماء الثَّالثة، أَن اهبطوا على مُوسى واعترضوا عليه فَهَبطُوا أَمثال النُّسورِ لهم قَصْف ورجْفٌ ولَجبٌ شَدِيدٌ، وأَفواههم تتابُع التسبيح والتقديس كلَجَبِ الجيْش العظيم، أَلوانهم كلَهَب النَّار، ففزع موسى واشتدَّ نَفَسُه وأَيِس من الحياة، فقال له خير الملائكة: مكانَك يا ابْنَ عِمْرانَ حتى ترى ما لا تَصْبِرُ عليه.
ثمّ أَمر الله تعالى ملائكة السّماء الرّابعة أَن اهْبِطوا على موسى فاعْتَرِضوا عليه، فهبطوا وكان لا يشبههم شيء من الذين مرّوا به قبلهم، أَلوانهم كلهب النار وسائر خلقهم كالثَلْجِ الأَبيض، أَصواتُهم عالية بالتسبيح والتَّقْديس، لا يُقاربهم شيء من أَصوات الَّذين مرُّوا به قبلهم، فاصطكت رُكْبتاه وأُرْعِد قلبُه، واشتدّ بُكاؤه، فقال له خير الملائكة ورأسهم: يا بْنَ عِمْران اصبر لما سأَلت، فقليل من كثير ما رأَيت.
ثمّ أَمر الله تعالى ملائكة السّماءِ الخامسة أَنِ اهبطوا فاعترِضوا على موسى، فهَبطوا عليه لهم سبعةُ أَلوان فلم يستطع موسى أَن يُتْبِعهم بصره، لم ير مثلَهم ولم يسمع مثل أَصواتهم، فامتلأَ جوفُه خوفا، واشتدّ حزنه وكثر بكاؤه، فقال له خير الملائكة ورأسهم: يا بن عِمْران اصبر حتى تَرى بعض مالا تصبر عليه، فهبطوا عليه في يد كلّ ملَكٍ منهم مثل النَّخلة الطَّويلة نارًا أَشدّ ضوءًا من الشمس ولِباسُهم كلَهَبِ النار، إِذا سبحوا وقَدّسوا جاوبهم من مكان قبلهم من ملائكة السّماوات كلّهم يقولون بشدّة أَصواتهم سبّوح قُدُّوسٌ ربُّ الملائكة والرُّوح، ربُّ العِزَّة أَبدًا لا يمُوت، في رأس كلّ ملَكٍ منهم أَربعةُ أَوْجُه.
فلمّا رآهم موسى، رفع صوته يسبّح معهم حين سبّحوا وهو يبْكى ويقول: ربّ اذكُرْنى ولا تَنْس عبْدك، لا أَدرى أَنْفَلِتُ ممّا فيه أَم لا؟ إِن خَرَجْت احْتَرقْت، وإِن مكَثْت مِتُّ! فقال له خير الملائكة ورأسهم: اسكت يا بنَ عِمْران: أَوْشك أَنْ يشتدّ خَوْفُك وينخلع قَلْبُك فاصبر للذى سأَلت.
ثم أَمر الله تعالى أَن يحمل عرشه في ملائكة السَّماء السّابعة، فلمّا بدا نورُ العِزَّة انفرج الجبل من عظمة الرّب تعالَى، ورفعت ملائكة السماوات أَصواتَهم جميعًا يقولون: سبحان المِلك القُدُّوسُ ربُّ العِزَّة أَبدًا لا يمُوت، بشدّة أَصواتهم، فارتجَّ الجبل، وانْدَكَّ.
كُلّ شجرة كانت فيه وخَرَّ العبد الضَّعيف موسى صعِقًا على وجْهِه وليس معه رُوحه، فأَرسل الله تعالى برحْمتَه الرُّوح فتَغَشّاه، وقَلَب عليه الحجر الذي كان عليه موسى وجعله كهَيْئة القُبَّة لئلاّ يحْتَرِق موسى، فأَقامه الرُّوح مثل الأُمّ، فقام موسى يسبِّحُ الله تعالى ويقول: بِكَ آمنت ربِّى وصدَّقْتُ أَنَّه لا يراك أَحدٌ فيَحْيا، ومن نظر إِلى ملائكتك انْخَلَع قلبُه، فما أَعظَمكَ وأَعْظَم ملائكتك، أَنت ربُّ الأَرْباب وإِله الآلهة، ومَلِكُ المُلوك، لا يعْدِلُك شئٌ، ولا يقُوم لك شئٌ، ربِّ تُبْتُ إِليك، الحمدُ لَكَ لا شريك لَكَ، ما أَعْظَمك وما أَجلَّك ربُّ العالمين.
أَنشد بعض الأَدباء:
لِلْحُبّ نورٌ مُنَوّرْ ** في عَرْصة الجِنانِ

للَّذِكر حُسْنُ أُنْسٍ ** يُنْسِى جَنَى الجِنان

الحُبُّ في كَمالٍ ** والحُبُّ في جمالٍ

أَضحى أَخا كَلالٍ ** عن وصفه لِسانى

الشَّوْق في الْتِهابِ ** والدَّمْع في انْسِكابِ

السِرُّ في اضْطراب ** يَنْبُو عن البَيان

فيهم لَقِيتُ كَرْبا ** حتىّ انْتَشَيْت شربًا

ثمّ اشْتَهَيْت قرْبًا ** من سُكْرٍ اعْترانىِ

نادَيْت يا حَبِيبِى ** ارحَمْ عَلا نحيبى

اسْمَع من الغَرِيب ** انْظرْ إِلى المُهانِ

بادِرْ إِلَىَّ عَطْفًا ** اصْبُبْ لَدَىّ لطْفًا

وامْننْ عَلَىّ كَشْفًا ** في مَجْلس التَّدانى

نُودِيتُ يا ابْن آدَمْ ** نسيتَ عِلْمَ عالِمْ

يا سيّدى إِلى كَمْ ** من قَهْر لَنْ تَرانى

.بصيرة في ذكر هارون عليه السلام:

وهارُونُ اسمٌ أَعجمىٌّ غير منصرف، وقيل: مُعَرَّب أَرُون، والأرَنُ: النَّشاطُ، سُمِّىَ به لِنَشاطه بالطَّاعة، ثم قيل: هارون، كما قالوا في إِيّاك هِيّاك، وفى إِبْرِيّة هِبْرّية.
وقد سمّاه الله تعالى في التنزيل بعشرة أَسماء تَصرِيحًا وتعريضًا: وَزِيرٌ {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ}، أَخٌ: {اغْفِرْ لِي وَلأَخِي}، رَسُولٌ: {إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ} مُرْسَلٌ: {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ}، نَبِىٌّ: {أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا}، رِدْءٌ: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا}، أَفْصحُ: {هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا}، مُصَدِّقٌ: {يُصَدِّقُنِي}، خَلِيفةٌ: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي}.
وهارُون اسْمُه العَلَم، وقد ذكره الله تعالى بهذا الاسم في مواضع من التنزيل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ}، {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}، {لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي}، {هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا}، {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ}، {أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا}، {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا}، وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لعلىٍّ رضى الله عنه: «يا عَلِىُّ أَنتَ مِنِّى بمنزلة هارُونَ من مُوسَى».
وقال الثَّعْلَبِىّ: كان هارُون فصيحَ اللِّسان بَيّنَ الكلام، وكان أَطولَ من مُوسَى وتُوفِّىَ قَبْلَ مُوسَى.
وقد ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم أَنَّ مُوسَى دَفَنَ أَخاه هارونَ عليهما السّلام في شِعْب أُحُدٍ. أَخرجه الإِمام ابن عَساكر.
وفى حديث الإِسراء من تاريخ دمشق عن أَبى سَعِيدٍ الخُدْرِىّ عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «ثم صعدت إِلى السّماء الخامِسة فإِذا أَنَا بهارون ونِصْف لِحْيَته أَبيض ونِصْفُها أَسْوَدُ، تكاد لحْيَتُه تَضْرِب سُرَّتَه من طُولِها، قلت يا جِبْرائيل من هذا؟ قال: هذا المَحُبَّبُ في قَوْمِهِ، هذا هارُون بنُ عِمْران».
وفى الصّحيحين: «فإِذا بِهارُون فرَحَّب ودَعا لى بخير».

.بصيرة في ذكر إلياس عليه السلام:

وإِلياس اسم أَعجمىّ كسائر أَشكاله، لا مجال للعربية فيه، وإِلْياسِين المذكور في التَّنزيل إِشارة إِلى إِلْياس وأَتباعه، والَّذى يقرأُ آل ياسين المُراد إِلْياس وأَتْباعه أَيضًا لأَن نسبه: إِلْياس بن ياسِين بن فِنْحاص بن عيْزار بن هارُون بن عِمْران، وقيل: آل ياسِين المراد به آلُ المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكن فيه ضعف من حيث المعنى، فإِنَّه لا مناسبة بينه وبين ما قبله.
وكان إِلْياسُ من أَنبياء بنى إِسرائيل، أرسل إِلى قوم كانوا ببعْلَبَكَّ، وكانوا يعبدون صنمًا سمَّوْه بَعْلًا.
وبلغ قومُه في إِيذائه وجفائه الغايةَ، وعاقبهم الله تعالى أَنواعًا من العقوبة، وكانوا يلْجؤون إِلى إِلْياس، فكان يسأَلُ الله لهم العفْو فيأتيهم الفَرجُ بدُعائه إِلى أَن ملّ إِلياسُ من أَذاهُمْ ونَقْضِ عهْدِهم، فتضرّع إِلى الله تعالى وسأَله الخلاص من مُقاساتهِم فأَذِنَ له في مفارقَتِهم، وسلبه شهوةَ الطَّعام والشراب حتى يطَّبع كطَبْع المَلَك، فصار إِنسيًّا مَلَكِيًّا أَرْضِيًّا سماوِيًّا، شرقيًّا غَرْبِيًّا، برِّيًّا، مثل أَخيه الخَضِر.
وقد دعاه الله تعالى في القرآن بخمسة أَسماءٍ: مُؤْمِنٌ {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}، مُحْسِنٌ {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}، إِلْياسِين {سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ}، إِلْياسٌ ومُرْسَلٌ، {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}.
قال:
يا منْ تنزّه عن صِفاتِ النَّاسِ ** يا منْ بلذَّةِ ذِكْرِه اسْتِئْناسِى

ما كُنْتُ للذِّكرَى زمانًا ناسِى ** في ذِكْرِكم قد مِلْتُ نحو الْياسِ